تتواصل قضية التقرير الذي قدمه الإعلامي آرام بختيار علي من شاشة فضائية NRT عن شخص قام بسرقة الحليب والحفاظات من احد المتاجر في قضاء كفري التابع لإدارة كرميان في محافظة السليمانية. فقد اصدرت محكمة التحقيق في كلار يوم 4 حزيران الجاري حكما بسجنه 11 عاما. وكان الإعلامي المذكور قد اعتقل ولم يتم اطلاق سراحه الا بعد ان سلم آوات علي، مدير قناة NRT ، نفسه للمحكمة كبديل عن مقدم التقرير الذي اعتبرته المحكمة تدخلا في مجريات القضية!
وتزامن ذلك مع قرار حكم في قضية موضوعها ملف فساد، اصدرته محكمة في الحلة ويقضي بسجن صادق مدلول محافظ بابل، الذي أحبطت محاولة منه للهرب، لمدة ستة أشهر مع غرامة مالية قدرها مليون دينار، بعد إدانته بقضايا فساد مالي وإداري استنادا الى أحكام المادة 331 من قانون العقوبات العراقي.
استبشر المواطنون خيرا بخطوة القضاء العراقي، وتصاعدت التمنيات ان يكون قويا ومستقلا ومدافعا عن الحق العام وغير خاضع لارادات المتنفذين والمتحاصصين في الحكم.
لكن المفاجأة الكبيرة غير السارة هي اطلاق سراح المحافظ المدان الذي أحبطت محاولة هروبه، بقرار من محكمة استئناف الكرخ الاتحادية أصدرته في اليوم التالي 5 حزيران واخلي سبيله بموجبه. وبذلك استفاد المحافظ المدان في قضية فساد، من قانون العفو النافذ حاليا.
من يطلع على حيثيات القضيتين والحكم الصادر بحق كل طرف متهم فيهما، يجد مفارقة موجعة ويستشعر سطوة المتنفذين. حيث يبصر قمة التشدد والتشديد على مواطن لم يجد ما يسد به جوع طفله، فيضطر الى السرقة، بعد ان عجزت الحكومة عن توفير سبل العيش وضمانها، تنفيذا لما جاء في الباب الثاني من الدستور، وبين محافظ مدان ومحكوم في قضية فساد.
مفارقة مؤلمة لان هناك من يشرع قانونا للعفو يحتمي به الفاسدون، بالضد من جوهر الباب الثاني من الدستور، الذي صوّت العراقيون له كي يحفظ كرامتهم ويؤمن معيشتهم ويضمن لهم فرص العمل والسكن والتعليم.
وهي مفارقة حقا، ان يلاحق اعلامي لم يفعل سوى القيام بواجبه وعرض الوقائع على الرأي العام العراقي، وتبرئة محافظ بعد ادانته بملف فساد.
لقد أثارت هاتان القضيتان الكثير من الاستياء وهما تبينان ضعف العدالة، ما سينعكس لاحقا في فقدان الثقة بالقانون والسلطة القضائية، وهي الثقة المهزوزة أساسا.
وكل هذا يؤكد مجددا حقيقة كبرى، تتجلى في ازمة النظام السياسي التي لا مخرج منها الا بمغادرة نهج الطائفية السياسية.