عندما تبيض دجاجة الصحافة بيضة لم ترد ذكرها في عالم الإعلام. ولا علاقة لها بالأخلاق المهنية والوطنية والقومية والإنسانية، ولا صلة لها بكل أنواع الممارسات الأدبية أو السياسية أو النقدية، ولا تمت بالقرابة إلى سلوكيات الذمة والضمير، حتما ستكون فاسدة وتستحق الرمي في القمامة.
وعندما تكون البيضة (مقالة) تحمل في ثناياها أوهاماً وتصورات وأساطير خيالية متجذرة في أعماق شخص باحث عن الشهرة والمال، منساق وراء النفاق والخداع والتخوين، يظهر غير ما يبطن، وحاقد تجاه كل ما هو جميل، ومراهن على الكتابة في سبيل الاستجداء، أو إيهام إبناء شعبه وحثهم على العبث وإلغاء الحق وعدم الإذعان للقوانين والأنظمة وافراغ العقيدة القومية والوطنية من محتواها، ويحاول تشويه الحقائق وقلب الأوراق والحصول على حفنة دنانير من هذه الجهة أو تلك، ولايربطه تواصل مع الخرائط الجديدة والعتيقة للمبادىء، سيكون( ذلك المقال) مجرد إستعراض وتصفيت وترقيع لكلمات متفرقة، لذلك سيتوقف ويشطب بمجرد طي الصفحة. ولا يستحق الذكر والوقوف أمامه طويلاً أو حتى إعتراضه والرد عليه، وبالذات من قبل المتابعين والسياسيين. مع ذلك ربما يكون مؤلماً وغامضاً عند أناس تمس جوهر معتقداتهم ويحبون الحقيقة والحفاظ على حقوقهم الدستورية، والبنية التحتية لمدنهم وكيانهم، والسلم المجتمعي والتنمية الاقتصادية والتعليمية والعمرانية، ورؤية النقاط على الحروف، وروعة الجمال والامل .
سقت بهذه المقدمة لأتحدث عن مكالمة هاتفية، من صديق (غير كوردي) يسكن في بلد بعيد، ويتابع أخبار كوردستان بشكل عام والإقليم بشكل خاص من مصادر مختلفة، تلقيتها خلال أيام الحجر المنزلي خشية من وباء كورونا البغيض الذي إجتاح العالم. أيام إختلفت فيها الأمور، وتباينت فيها المواقف، وأظهرت معادن الناس في التعامل فيما بينهم، ومع الازمة، وفي نشر الأخبار الإيجابية التي تشد العزم وترفع المعنويات وتنشرالإطمئنان والتفاؤل وتتحدث عن أعداد الذين تماثلوا للشفاء، وحتمية مرورهذه الأزمة أيضا كسابقاتها. وفي نشر الاخبار المفبركة والمزيفة التي تنثر القلق والرعب والهلع والتي بمحصلتها تشكل مصدراً للإزعاج والمعاناة .
بعد مقدمة قصيرة دارت حول الأمور الشخصية، إستوقفني وأثارني موقف ( الصديق) المتغير، وهو يحاول إخفاء حسراته التي تسللت مع الكلمات، عندما قال :
ترددون على الدوام الأسطوانة المشروخة المضحكة التي تقول بأن الأوضاع حساسة، وهناك مخاوف على حقوق الكورد الدستورية، ومؤامرات ضد الكورد وكيانهم الدستوري ...
ماذا حقق لكم هذا الكيان، من الرقي والتقدم، لكي يحسدكم الآخرين ويتآمروا ضدكم، هل وصلتم الى مستويات السويد وسويسرا؟.
إستمعت لما يقول، وقد حبست أنفاسي ومصدوم من تغير هذا الصديق بين ليلة وضحاها. وقلت في نفسي، ربما الوباء غيره كما تغير الكثيرون، وربما وربما.
ولكنه قطع سلسلة أفكاري، عندما قال: هذا ليس رأيي بل هو رأي كاتب طفيلي وإنتهازي (كوردي) تجرد من الضمير الوطني والقومي عندما رفض الاستفتاء على إستقلال الإقليم، ديدنه الإرتزاق، وقلمه مأجور، وبمقالاته يحاول أن يدمر كل شىء جميل في وطنكم .
تنفست الصعداء، وقلت له : متى كانت تجربتنا لا تمرّ بأوضاع بالغة الدقّة، ولا تواجه التحديات، ولا تتعرض لمؤامرات وشرور الذئاب الكاسرة التي تتحين الفرص لتنقلب على شعبنا ووطننا؟
هذا الكيان، ثمرة نضال طويل رسم طريقنا نحو التحرر بأنهار من الدماء والدموع، وأنقذنا من ظلم وجور النظام الشوفيني والشمولي البعثي، وضمن لنا حقوقنا القومية المشروعة والحياة الحرة الشريفة والكريمة.
هذا الكيان أثبت للعالم كله، كيف تدار الأزمات العسكرية والأمنية (في عهد داعش)، والإقتصادية والمالية (في عهدي المالكي والعبادي)، ويثبت الآن (في عهد كورونا) نجاحه في التصدي للأزمة الصحية الشديدة، بالحكمة والعلم والاخلاص وبإتخاذه العديد من التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية، وإصدار الكثير من القرارات المسؤولة.
هذا الكيان فاق في فن إدارة الأزمات وعبورها، وفقا لخطط مدروسة بدقة ومهنية، على دول كثيرة.
و دون أدنى قدر من الشك أو الإهمال أو التغافل، وبقرارات منطقية نابعة من قوة العقل والحكمة، إستطاع أن يكون إنموذجاً لقصة النجاح والإنتصار والأمان والتعايش والتسامح والإستقرار، ونقطة للإزدهار في منطقة مليئة بالعنف والإضطرابات والأزمات.
هذا الكيان، وضد كل الصعاب، ووفق خطط ملهمة تم التخطيط لها بتصور ورؤية متحضرة متكاملة، جعل الإنسان الكوردستاني في صدارة أولوياته، وفوق أي إعتبار.
لهذا نخشى عليه وندافع عنه .