مع إقتراب العد التنازلي لبدء جولات الحوار بين الأطراف الكوردستانية بهدف تشكيل الحكومة الكوردستانية الجديدة، والتي كما هو واضح، يراد لها أن تكون الأقوى والأكثر تأثيراً في الداخل والخارج، والتي ستتشكل من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لأنه الفائز الأول في الإنتخابات البرلمانية السابقة، تشير الأنباء والتصريحات التي تتوارد من أروقة القرار الى أنه سيتم تكليف السيد نيجيرفان بارزاني لرئاسة وفد الحزب الديمقراطي الكوردستاني للتفاوض مع الأطراف الكوردستانية الأخرى ولتشكيل الحكومة.
بدلاً عن الخوض في التفاصيل، وفيما يجوز وما لا يجوز والإستحقاقات الإنتخابية، وضرورات طمأنة الآخرين عموماً والتوجه اليهم بخطاب منطقي شفاف وعقلاني، والإستجابة لكل المطالب المعقولة، ومغادرة الماضي الأليم، ومواكبة متطلبات وإستحقاقات الديمقراطية الحقيقية التي ينشدها المواطن الكوردستاني. لابد من التحدث أولاً عن الحكومة الحالية التي تعيش أيامها أو أسابيعها الأخيرة، والتي تشكلت برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني، وسلكت طريقها بإتفاق تام بين الكتل السياسية المختلفة، وبدأت في أداء مهامها بمواجهة الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية والتحديات الأمنية. ولابد أن نتحدث، ولو قليلاً، عن المشكلات التي حدثت وأصطنعت بين الكتل والأحزاب السياسية تحت قبة البرلمان، وكيف تم إشراك الشارع الكوردي في المواجهات العبثية التي تقشعر لها الأبدان، وكيف حاول الفاقدون للرشد زعزعة الاستقرار برمي الشرر فيه، وإيقاد الفتنة السياسية بهدف إستثمار الظروف الإستثنائية الحاصلة جراء قطع موازنة الإقليم من قبل بغداد وإستقبال ما يقارب المليوني نازح ولاجىء والإنخفاظ الحاد لأسعار النفط والحرب ضد داعش، وخلط الأوراق في سلة صراع أكثر تعقيداً، والتفرغ لخيانات وخيبات أكبر، من خلال رفض كل المشاريع والأوراق التي قدمت لتجاوز الأزمة السياسية التي إصطنعوها في الاقليم، وأصرارهم على شروطهم ومطالبهم، محاولين وضع الشعب على حافة كارثة غير محسوبة العواقب. وكيف إستبقوا في قراءة النتائج وتسويقها كما يحلو لهم، وكيف إختلطت عندهم المعلومة بالرأي، فاندفعوا ليبشروا في تحليلاتهم بأن حسم الأوضاع سيكون لصالحهم لأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومن خلال حرصه الشديد على مصالح الكوردستانيين سيقدم لهم المزيد من التنازلات ويرضخ لمطالبهم خوفًا من الثمن الذي سيترتب على الدخول في متاهات أزمات جديدة تضاف الى الأزمات المتعددة التي كانت تعصف بالإقليم، أو تحت ضغط الظروف والجهات الخارجية. ولم يعد سرّا ان محاولة إنقلاب وقف وراءها بعض المزاجيين جرت في العام 2015 تحت قبة البرلمان الكوردستاني، تبيّن خلالها ان رموز تلك الحركة الانقلابية كانوا يريدون التخلّص من الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه السيد مسعود بارزاني والسيطرة على برلمان وحكومة الإقليم وتولّي السلطة بأي ثمن.وكيف خططوا لذلك عبر تظاهرات وفوضى عمّت الشوارع وأحرقت خلالها عدد من المقرات والدوائر الحكومية. وكيف تهربت بعض الأطراف من تحمل دورها ومسؤولياتها الأخلاقية عندما تعرض الإقليم للعقوبات العدوانية الجائرة، وعملت عبر تصريحات معبئة للشارع ومهيئة للفوضى، من أجل الإنقضاض على حكومة الإقليم أو إصابتها بحالة من الكساح والشلل، وكيف ركب بعضهم موجات إحتجاجات الموظفين والمعلمين بهدف تفجير الاوضاع الداخلية والوصول الى حالة لا يمكن السيطرة عليها. ولكن خابت ظنونهم، كما خابت ظنون أعداء الكورد وكوردستان، ووضعوا أنفسهم وأحزابهم وحلفائهم في زاويا ضيقة وفي مواقف حرجة لايمكن تبريرها بسهولة أو تجاهلها خلال مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة.
في المقابل نجحت حكومة الإقليم في تجاوز الاوضاع الصعبة في كوردستان، ولعبت دوراً بارزاً في وقف الهجمات التي استهدفت الإقليم برمته ودفن طموحات الأعداء. وأصبح ميزان القوة لصالحها ولصالح الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي لم يصب بالغرور والوهم، ولم يتبن خطاباً مضاداً لمواجهة الشركاء في الوطن، ولم يخطأ في تقدير المواقع الميدانية التي فيها الآخرين حسب، بل أنه يستطيع قراءة المواقع السياسية للآخرين. ولأنه لايريد ان يدخل البلاد في دوامة صراع جديد وإرباك للوضع وإرتباك في المواقف،يبحث عن فرصة للحوار معهم، هذا إذا تفضلوا وفتحوا أمامه أبواب الحوار. وإن لم يعتمدوا مع سبق الإصرار والترصد، رغم المآزق الاستثنائية التي هم فيها جراء عنادهم، على سياسات البحث عن الثغرات، والمشي على خطى إضاعة الفرص. والأيام القادمة ، خلال مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة بين وفد الحزب الديمقراطي الكوردستاني والأحزاب الكوردستانية الأخرى، ستثبت الكثير لمن يريدون أن يعرفوا الحقائق ومآلات الأوضاع.