شفق نيوز/ طالما جرى الإعتقاد أن كورونا المستجد، الفيروس الذي سجّل في يوم واحد فقط، التاسع عشر من يونيو/حزيران الجاري، 180 ألف إصابة على مستوى العالم، هو عدوى تنفسية من النوع الذي قد يتسبّب في التهاب رئوي، يتطور في نسبة قليلة من الحالات ليصبح متلازمة ضيق تنفس أكثر حِدّة تتسبّب بدورها في عدد لا بأس به من الوفيات. لكن حينما حاولت إيلنارا مارسيا نيجري، الباحثة ومتخصصة طب الرئة بكلية الطب في جامعة ساوباولو البرازيلية، أن تفحص عددا من المعايير الوظيفية لرئة أحد مرضاها في الخامس والعشرين من مارس/آذار الماضي وجدت شيئا غريبا.
وتقول نيجري في حديثها مع محرر "ميدان" عبر الإنترنت "كانت نسبة الأوكسجين في دم هذه المريضة منخفضة جدا، لكن على الرغم من ذلك كانت تتنفس بشكل طبيعي، وذلك غير معتاد". في حالة كتلك كان من المفترض أن تبدأ رئة المريضة في حبس الكثير من ثاني أكسيد الكربون ما يدفع برسالة إلى دماغها تطلب من عضلات الرئة أن تستمر في العمل بمعدلات أكبر، وهو بالتبعية ما يدفع المريض للتنفس بسرعة أكبر، وكأنه يصعد بسرعة على درجات سلّم طويل.
لكن هذا لم يحدث، في تلك النقطة فكّرت نيجري في فرضية تقول إن مشكلة هذه السيدة ربما تكون غير متعلقة بالرئة نفسها بل بنقص الأكسجين بسبب جلطات صغيرة في أوعية الرئة الدموية الصغيرة، خاصة أن هذه السيدة واجهت مشكلات في أصابع القدمين تُشير إلى ذلك، تتسبّب تلك الجلطات في أن الأكسجين لا يعبر من الأوعية الدموية بالرئة إلى بقية الجسم، وفي الوقت نفسه لا يستشعر المخ المشكلة ويتنفس المريض بشكل طبيعي.
تقول نيجري في حديثها مع "ميدان": "أعطينا المريضة أدوية مضادة لتجلط الدم، وكانت النتيجة أن مشكلاتها التنفسية توقفت، وتحسّنت حالتها". في الواقع، لم تكن تلك هي نتيجة حالة واحدة فقط، بل تحسّنت 27 حالة أخرى مع هذا البروتوكول الجديد، وفي حين أن الشفاء من المفترض أن يأخذ 28 يوما في المعتاد، تحسّنت تلك الحالات في أقل من 14 يوما. بحسب مانقلته الجزيرة
كانت نيجري من أوائل الذين أشاروا إلى أن "كوفيد-19" يمكن أن يتسبّب في تلك الجلطات والتي يمكن أن تسافر لكل أنحاء الجسم متسبّبة في أضرار بالغة للأعضاء، كان ذلك في الكلى أو القلب، أو حتّى الدماغ، حيث يمكن لكورونا المستجد أن يقتل مرضاه بسكتة دماغية. لكن المفاجئ في الأمر هو أن كورونا المستجد -دونا عن رفاقه- هو فقط ما يفعل ذلك.
لفهم تلك الفكرة بشكل أعمق دعنا نقارن بين "كوفيد-19" والإنفلونزا المعتادة في الحالات المتقدمة، حيث قام فريق بحثي متعدد الجنسيات بتشريح سبع رئات لأشخاص ماتوا بسبب إصابتهم بـ "كوفيد-19" مقارنة بمجموعة أخرى من رئات أشخاص ماتوا بسبب حالة متقدمة من الإنفلوانزا، صدرت النتائج مايو/أيار الماضي في دورية "نيو إنجلاند جورنال أوف ميدسن" المرموقة واسعة الشهرة.
في الحالتين، كان المتوقع هو إيجاد ضرر شديد في الحويصلات الهوائية بالرئة، فنحن نعرف بالفعل أن الأمراض التنفسية قد تتطور من التهاب رئوي إلى متلازمة ضيق تنفس حادة (ARDS) تكون تلك أعراضها، حيث تمتلئ تلك الحويصلات الرئوية بالخلايا الميتة والصديد وبقايا معركة مناعية شديدة حدثت هناك بين الجسم والفيروس.
لكن في حالة وفيات "كوفيد-19" فقط كانت هناك آثار ضرر بالغ بالبطانة الخلوية التي تغطي الأوعية الدموية من الداخل (endothelium)، مع كميات كبيرة من الفيروس في خلايا تلك الطبقات، وعدد كبير من الجلطات في الأوعية الدموية، في حديثها مع "ميدان" تقول نيجري: "تأثُّر تلك الخلايا التي تغطي الأوعية من الداخل هو ما يتسبّب في تحفيز تخثر الدم، كذلك فإن الاستجابة الالتهابية الشديدة بسبب المرض تُحفِّز التخثر، يبدأ الأمر في الأوعية الدموية المحيطة بالرئة ثم ينطلق إلى أعضاء الجسم كافة".
في الواقع فإن الفرضية التي تقول إن كورونا المستجد يتخلل الخلايا التي تبطن الأوعية الدموية فيتسبّب ذلك في تلفها، ما يحفز بدوره تخثُّرا في الدم، ينتشر من الرئة إلى باقي أجزاء الجسم، وهو أحد أهم أسباب الوفاة، كانت لافتة للانتباه منذ ظهورها، خاصة أن هناك فئات بعينها من الناس أكثر قبولا لهذا النوع من التطور بسبب مشكلات تواجهها أوعيتهم الدموية، وهي الفئات نفسها التي نعرف أنها معيار خطورة في "كوفيد-19": المصابون بضغط الدم على سبيل المثال، والسكري، والسمنة، كما أن الرجال أكثر قابلية لهذا النوع من التلف من النساء، والمدخنون بشكل أكبر من غير المدخنين.
بعد التوصل إلى النتائج الأولية عن استخدام مضادات التجلط، اهتمت نيجري، مع رفاقها من الكلية نفسها، ماريسا دولنيكوف وباولو سالديفا، بفكرة تشريح جثث مرضى "كوفيد-19″، وكانت دراستهم في هذا النطاق هي الأولى من نوعها، ونُشرت بدورية "جورنال أوف ثرومبوزيس آند هوميوستيزيس“
تقول نيجري لـ "ميدان": "أظهرت عمليات التشريح وجود عدد هائل من الجلطات في الأوعية الدقيقة في الرئة وأيضا في الأوعية الدقيقة للأعضاء الأخرى كالكلى والقلب والجلد وما إلى ذلك، كما تم العثور على جلطات في أوعية دموية رئيسية"، مضيفة أنه إذا لم يتم إيقاف تطور تلك الجلطات فإنها تتطور لتتسبّب في ضائقة تنفسية حادة، وتقتل المريض.
تتأكد تلك النتائج بدراسات عدة، على سبيل المثال كان فريق بحثي من مستشفى ماونت سايناي العريقة قد خرج مؤخرا بنتائج تجربة تشريحية جديدة هي الأكبر إلى الآن، على 67 جثة لمتوفين بسبب "كوفيد-19″، أظهرت النتائج وجود جلطات واضحة في الرئة وأعضاء أخرى، بشكل خاص الكلى والكبد والدماغ، لكن اللافت للنظر في تلك الدراسة كان التأثيرات الدماغية.
فعلى الرغم من أن الدماغ أقل تأثرا بالالتهابات الناتجة عن "كوفيد-19″، فإنه أظهر عددا مفاجئا من الجلطات في الأوعية الدموية الصغيرة، مع وجود دلائل على موت بعض الأنسجة الدماغية بسبب انسداد الأوعية الدموية في كلٍّ من الأجزاء المحيطية والعميقة من الدماغ، الأمر الذي يمكن أن يُفسِّر بعض التغييرات النفسية التي تظهر في بعض المرضى.
تقول نيجري في حديثها مع "ميدان": "تُغيِّر هذه النتائج بشكل كبير من كيفية علاج المرضى بـ "كوفيد-19″"، موضِّحة أنه سيكون من المهم البدء في منع تخثر الدم والحفاظ على رطوبة المريض على الفور مع أي علامة على نقص الأكسجين بالدم، الأمر الذي دخل بالفعل -بينما نتحدث- في الكثير من البروتوكولات العلاجية على نطاق عالمي.